الحمد لله رب العالمين ، صاحب الفضل المبين ، و الصلاة و السلام على رسوله و مصطفاه ، خير من صام و صلى و صبر و عبد الله ، و على آل بيته و أصحابه و أحبابه و أتباعه و من سار على دربهم إلى يوم نلقاه و بعد. فقد أسبغ الله النعم ظاهرة و باطنة مما لا يمكن عده قال تعالى ((و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)) و لكن الإنسان ينسى و يلهو و يجحد ((إن الإنسان لظلوم كفار)) ، فيظن أن النعم أصيلة فيه ، و يحسب المال بسسب جهده و ذكائه كما تحدث القرآن عن قارون ((قال إنما أوتيته على علم عندي)) ، و قد يرى السلطان دليلا على رفعته و علو مكانته فيستعبد الناس كما فعل فرعون حينما قال ((أنا ربكم الأعلى)) و قال (( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري)) و كان فرعون يعلل ضلاله هذا فيقول (( أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي)) و كان يستكبر على الحق و يتمادى في الغي إلى الحد الذي دعاه أن يطلب من هامان فيقول ((فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب ، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى و إني لأظنه كاذبا )) و كان يستهزئ بموسى و يقول ((أم أنا خير من هذا الذي هو مهين و لا يكاد يبين…)) ، و رغم أن أهل الإيمان ذكروا قارون و قالوا له ((لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ، و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين )) , فكانوا يوصونه بما ينبغي أن يكون عليه الغني الشاكر , الذي يعرف أن الله هو الذي أنعم عليه ، فلا يغتر بماله ، و يسخره لخدمة دينه و عمل الصالحات و هذا هو الأصل و بينما هو متوجه بكليته إلى الآخرة عليه ألا ينسى في هذه الزحمة نصيبه من الدنيا حتى يتقوى على هذا الهدف ، و إذا كان الله هو الذي أحسن إليه فكيف ينكر الجميل و لا يحسن كما أحسن الله إليه و الله يأمر بالعدل و الإحسان و يحب المحسنين ، كما يحذرونه من أن يستخدم نعمة الله فيما يغضب الله فيفسد في الأرض و قد قال الله ((و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)) ، و الله يدعو إلى الخير و الصلاح و ينهى عن الشر و الفساد ((هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها)) ، ((إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي )) ، و لكن قارون رأى خزائنه ملآى ، و حوله الحراس و الخدم و الحشم و العظمة و الأبهة ، نسي حاله حينما جاء إلى الدنيا لا يملك منها و لا من أمر نفسه شيئا ، و قال الكلمة التي هلك بعدها ((قال إنما أوتيته على علم عندي)) فحق عليه العذاب بظلمه و كبره بعد الذكرى ((فخسفنا به و بداره الأرض)) ، وقد كان هناك فريق من الناس فتنهم موكب قارون فقالوا أولا ((يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم)) ، فلما خسفت به الأرض حمدوا الله على عفوه عنهم ((لولا أن من الله علينا لخسف بنا)) ، و هكذا ينقسم الناس إزاء المغريات بين مفتون متشكك مرتاب و مؤمن صادق أواب ، نسأل الله السلامة و حسن الخاتمة ، أما قصة فرعون و نهايته فكلنا يعلمها ، بعث إليه موسى و هارون عليهما السلام بالمعجزات فكذبهما و قتل السحرة لما آمنوا بالله ، و كذب بآيات الله و لم ينتبه و يتعظ بالنذر المختلفة من الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و تمادى في ضلاله حتى جاءت لحظة المفاصلة حينما تبع موسى و قومه ، ففلق الله البحر و جعل فيه طرقا معبدة لقوم موسى حتى نجوا ، ولما تبعهم فرعون و قومه ، أعاد الله الماء إلى حالته ليهلك فرعون و قومه . إن المال من الله و الجاه من الله و السلطان من الله ، و الصحة من الله ، و كم من نعم غفلنا عنها ، فيبعث الله إلينا ما يذكرنا بنعم الله حتى لا نتوه في زحمة الحياة عن نعم الله ، ما أكثر من يلهيه ماله عن آخرته ، و ما أكثر من يستعبد الناس بسلطانه ، و من يستكبر بقوته ، و كان عليهم ان يسخروا ما وهبهم الله في خدمة ما أراده الله ، فما دام الله له الخلق فكذلك له الأمر ((ألا له الخلق و الأمر)) . يأتي المرض ليذكر الأصحاء بنعمة الصحة و ما فيها من حركة و نشاط و يذكرهم أنهم كانوا يوما يحسون بلذة الطعام و ببرد الشرب و لقاء الأصحاب و حضور الجمع و الجماعات ، يأتي إليهم ليدركوا أن مالهم لم يمنعهم و علمهم لم ينفعهم و جاههم لم يشفع لهم ، ليقتربوا أكثر و أكثر إلى من أنزل الداء و الدواء ، إلى من يملك الشفاء ((و إذا مرضت فهو يشفين)) ، و ليعلموا أن الحياة الدنيا تغيب بهجتها في لحظة تقرب من الآخرة ، تدعو إلى مراجعة النفس و الاستعداد لما هو آت ، فمن كتب الله له الشفاء عاد شاكرا فضل الله ، و عرف قدر نعمه ، و من تأخر شفاؤه أو قربه من لقاء مولاه فأنعم بلقاء الله الرحمن الرحيم العفو الغفور الكريم الحليم . أسأل الله لي و لكم العفو و العافية و المعافاة الدائمة في الدين و الدنيا و الآخرة , و أن يهدينا و يستعملنا و لا يستبدلنا و يحسن ختامنا و أن يجعل خير أعمالنا أواخرها و خير أعمالنا خواتيمها و خير أيامنا يوم نلقاه ، إنه و لي ذلك و القادر عليه و الحمد لله رب العالمين .